بقلم: غاري أ. سفورزو، حاصل على الدكتوراه
27 مارس 2025
تُعَد أدوية شبيهات الببتيد-1 الشبيه بالغلوكاغون (GLP-1) خيارًا علاجيًا فعّالًا لعلاج السمنة، لاسيما عند المواظبة على استخدامها وفقًا للوصفة الطبية. وقد أظهرت التجارب السريرية أنها قادرة على تقليص الوزن بنسبةٍ تتراوح بين 10% و25% خلال مدةٍ تتراوح بين عامٍ وعامين. بيد أن أدوية GLP-1، مثلها مثل الأدوية الخافضة لضغط الدم، لا تقضي على المرض ذاته بل تساعد على السيطرة عليه؛ فالتوقف عن العلاج قد يؤدي إلى عودة المشكلة.ويشيع ما يُعرف بظاهرة استعادة الوزن بعد خسارته (Weight Recidivism)، فيما ينتج عن التوقف عن استخدام أدوية GLP-1 عودةٌ غير مرغوبةٍ لزيادة الوزن. لهذا، فغالبًا ما يكون من المتوقع الاستمرار في تناول هذه الأدوية طيلة الحياة لضمان جدواها على المدى الطويل.ومما يُعزز صعوبة الوضع أن الالتزام بأدوية GLP-1 ليس مرتفعًا؛ إذ تشير الإحصاءات إلى أن أكثر من نصف المرضى يتوقفون عن تناول الدواء خلال الأشهر الثلاثة الأولى، ولا يبقى ملتزمًا به عند نهاية العام سوى ثلثهم. من بين الأسباب الشائعة وراء هذا التراجع: الأعراض الجانبية، وكلفة العلاج، والإدمان على الطعام، أو حتى اشتياق المريض للمتعة المعتادة في تناول الأطعمة. ومن هنا، يبدو أن افتراض كون أدوية GLP-1 “حلًّا سحريًا” للسمنة فيه كثيرٌ من المبالغة.وبالإضافة إلى ذلك، فحين وافقت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) على استخدام أدوية GLP-1 في علاج السمنة، اشترطت اقتران العلاج الدوائي مع حميةٍ غذائيةٍ منخفضة السعرات وزيادة في النشاط البدني. غير أن ما يحدث على أرض الواقع هو أن المرضى عادةً ما لا يتلقون دعمًا كافيًا لتبني أنماط حياةٍ صحية أو إدماج برامج الطب الوقائي مع وصفة الـGLP-1.
دور التوجيه الصحي في رفع معدلات الالتزام
واحدةٌ من الطرق الواعدة لتعزيز الالتزام بالأدوية وتشجيع السلوكيات الصحية تتمثل في تقديم خدمات التوجيه الصحي والرفاهي (Health Well-being Coaching - HWC) جنبًا إلى جنب مع أدوية GLP-1. وقد تناولنا هذا الموضوع في مقالٍ منشورٍ بتاريخ 19 نوفمبر 2024 في مجلة الطب المعتمد على نمط الحياة (American Journal of Lifestyle Medicine - AJLM)، تحت عنوان: “دور التوجيه الصحي والرفاهي كعلاج مكمّل في فقدان الوزن الناجم عن أدوية GLP-1”.يُعلّق المؤلف المشارك في الدراسة، الدكتور نيل إف. غوردون (MD, PhD, MPH)، والرئيس التنفيذي لشركة INTERVENT International المتخصصة في الإدارة السكانية، قائلًا:
"تغيير السلوكيات النمطية أمرٌ صعب؛ فنصائح الأطباء بخصوص الغذاء والرياضة قلّما تجد التزامًا فعليًا، وغالبًا ما تكون نسبة التقيّد بالخطط الموضوعة منخفضة."
ويضيف:
"المرضى بحاجةٍ إلى ما هو أكثر من مجرّد نصيحةٍ مقتضبةٍ أو منشورٍ توعوي يصرفه لهم الطبيب. هنا يبرز دور التوجيه الصحي والرفاهي، الذي أثبتت الدراسات فاعليته في تحسين صحة الأفراد عبر تعديل أنماط حياتهم، ويمكن اعتماده إلى جانب أدوية GLP-1."
وتقول مارغريت مور (MBA)، وهي من روّاد مجال التوجيه الصحي (HWC) ومؤسسة شركة Wellcoaches Corporation عام 2000، ومؤسّسة مشاركة لمعهد التوجيه (Institute of Coaching) عام 2009 والهيئة الوطنية المعتمدة لمدربي الصحة والرفاه عام 2010:
"يقوم مفهوم التوجيه الصحي والرفاهي على شراكةٍ بين المريض والمدرب، تهدف إلى إثارة الدوافع الذاتية والثقة من خلال عملية إبداعية للتغيير، تقود في النهاية إلى نتائج صحيةٍ أفضل يمكن الحفاظ عليها."
وتشير مور إلى أن مهارات التوجيه الصحي تقوم على نظرياتٍ علمية موجهة نحو العمل الإيجابي، مثل نظرية تحديد الذات (Self-Determination Theory)، والنظرية المعرفية الاجتماعية (Social Cognitive Theory)، ونموذج مراحل التغيير (Transtheoretical Model)، وعلم النفس الإيجابي، واليقظة الذهنية، والمقابلة التحفيزية، وتحديد الأهداف. والغاية هي تمكين المرضى من انتقاء خطة الطب الوقائي الملائمة لهم، ليستمتعوا بها ويثابروا على تطبيقها على المدى الطويل.ويؤكد مايكل شولتز (MA)، وهو مدربٌ صحي ورفاهي معتمدٌ يعمل في هذا المجال منذ 23 عامًا، أنّ التوجيه قد يكون "عاملًا أساسيًا" في إنقاص الوزن ومنع استعادته لاحقًا. ويضيف:
"يبدو أن المرضى الذين أتعامل معهم يلتزمون بوصفات الأدوية بدرجةٍ أعلى من المتوسط، لأني أسعى دومًا إلى تعزيز استقلاليتهم في اتخاذ قرار تناول الدواء والمواظبة عليه. كما أن عملائي المهتمين بفقدان الوزن يبدون ثباتًا ملحوظًا في الحفاظ على عادات الغذاء والرياضة الصحيّة."
ويشير شولتز إلى أنه يتابع مع عددٍ من مرضاه منذ سنواتٍ عدّة، وقد استمروا في اتباع عاداتٍ سليمة ونجحوا في الإبقاء على وزنٍ أقل. وهم يؤكدون مرارًا أن علاقتهم مع المدرب والدعم المرافق لها كان له أثرٌ جوهري في نجاحهم بفقدان الوزن.وعلى صعيدٍ آخر، تظهر الأبحاث أنّ التزام المريض بدوائه قد يتحسّن بفضل التوجيه الصحي. ففي دراسةٍ حلّلت مطالبات التأمين على الأدوية، اتضح أن المرضى الذين تلقوا توجيهًا صحيًا حسّنوا من معدّل امتلاكهم للأدوية (Medication Possession Ratio) على مدى ستة أشهر، واستمر هذا التأثير الإيجابي ستة أشهر إضافية بعد انتهاء جلسات التوجيه.وتعلّق الدكتورة روث كيو ووليفر (PhD)، الأستاذة في قسم الطب الفيزيائي وإعادة التأهيل بجامعة فاندربيلت في ناشفيل (تينيسي) والباحثة الأولى في هذه الدراسة، بالقول:
"يمكن للتوجيه الصحي أن يكون وسيلة فعّالة في علاج السمنة، بل وفي الحالات المصاحبة لها مثل السكري. صحيح أن دعم استمرار المريض في تعاطي الدواء هو جانب رئيسي من عمل التوجيه، لكنه ليس السبب الوحيد وراء نتائجه الإيجابية."
وتتابع:
"إن جوهر التوجيه الصحي والرفاهي يكمن في تمكين المرضى بشكلٍ فعّال، وتوفير البيئة الداعمة لهم لإجراء تغييراتٍ صحية والحفاظ عليها بما يتماشى مع رؤيتهم لأفضل نسخةٍ من أنفسهم."
وقد برزت فعالية التوجيه الصحي في تحقيق فقدان وزنٍ طويل الأمد حتى قبل الانتشار الكبير لأدوية GLP-1، إذ استندت الأدلة العلمية إلى دراستين على الأقل بتصميمٍ عشوائي محكّم، وأثبتتا مقدرة التوجيه على إحداث تغييراتٍ سريرية ملحوظة في الوزن والحفاظ عليها، دون الاستعانة بأدوية فقدان الوزن.وعلى الرغم من عدم إجراء دراساتٍ شاملة للمقارنة بين دمج أدوية GLP-1 مع التوجيه الصحي، فإنّ مور ترى أنّ "الجمع بين أفضل الوسائل العلاجية الممكنة، أي استخدام أدوية GLP-1 لتخفيض الوزن والتوجيه الصحي للحفاظ على هذا الانخفاض وتعزيز الصحة بنمط حياةٍ صحي، هو أمرٌ منطقي."وتعمل مور حاليًا على قيادة الجهود اللازمة لاعتماد الأكواد الدائمة للإجراءات (CPT Codes) المرتبطة بخدمات التوجيه الصحي، مشيرةً إلى أن مراكز الرعاية الطبية والخدمات الطبية (CMS) أدرجت هذه الأكواد مؤقتًا ضمن قائمة خدمات الرعاية الطبية البعيدة (Medicare Telehealth) في عام 2024. فيما بدأ قسم شؤون المحاربين القدامى في الولايات المتحدة بتوفير التوجيه الصحي في 118 موقعًا من مواقع تقديم خدماته.وهناك دراسة حديثة تطرّقت إلى الجهود المتواصلة لاعتماد أكوادٍ دائمة للتوجيه الصحي، وكيف يمكن إتاحة هذه الخدمات للأفراد المصابين بالسمنة وغيرهم من المرضى الذين يعانون من أمراضٍ مزمنة مرتبطة بالعادات الحياتية.